
رباب كمال03/01/2016 - 11:09
الشيخة شيرين .. هكذا كانوا يلقبونها، كانت تجمعنا بعد صلاة العشاء لتبدأ درس دين جديد في المركز التعليمي الملاصق لأحد المساجد في منطقة مصر الجديدة، الشيخة في رأيي كانت النموذج الأنثوي الصاعد من جيل الشيوخ المودرن الذين يحاولون الحديث بلغة عصرية، وتزامن صعودها مع شهرة عمرو خالد ولو أنها لم تحقق نفس الشعبية الجارفة واقتصرت محاضراتها على الضواحي الراقية والنوادي الاجتماعية دون شهرة تليفزيونية حتى اختفت واندثرت ذكراها.
حدثتنا الشيخة ذات ليلة عن معجزة سماع رواد الفضاء الأمريكي للآذان على سطح القمر وأكدت أنها المعجزة التي هزت وكالة الفضاء الأمريكية وأن رائد الفضاء الذي سمع الآذان أشهر إسلامه، وسط تهليلات من القاعة والتمتمة بقدرة الله عز وجل..
أشرت عناية الشيخة شيرين أن سماع الآذان أو غيره من الأصوات غير ممكن على سطح القمر لأن الصوت لا ينتقل في الفضاء بسبب انعدام الهواء، فكان رد الشيخة الجليلة هو أن هذه الأمور العلمية لا تقف أمام المعجزات!! وطلبت مني تفسيرًا على إشهار نيل أرمسترونج لإسلامه..
الشيخة التي لا أعرف من أين لها بهذه المكانة الدينية .. أثارت فضولي وبدأت رحلة التحقيق عن الآذان الذي ُرفع من على سطح القمر، كان أساس البحث هو الاستقصاء عن معلومة مبهمة ظللت أسمعها منذ نعومة أظافري دون أن أجد لها سندًا علميًا .
نيل ارمسترونج على متن أبوللو 11 – 1969تكشف لي أثناء الاستقصاء والبحث أن الشائعة تعود بداياتها الأولى إلى الصحافة في ماليزيا،
وانتشرت كذلك القصة من على منابر المساجد في مصر قبل ثلاثين عامًا، فالقصة تقول أنه في العام التالي لهبوط " نيل أرمسترونج" على سطح القمر، جاء في رحلة للقاهرة فسمع آذان الأزهر لأول مرة فسأل مرافقه: ما هذا الصوت؟ فقال له: هذه دعوة الصلاة لدى المسلمين، فقال: أشهد أنني سمعته فوق سطح القمر فأعلن إسلامه الأمر الذي لم يرق لزوجته فطلبت منه الطلاق!! وتحدث أئمة المساجد كذلك عن رغبته في النزوح والاستقرار في مصر.
الصحفي اللبناني شوقي رافع سبقنا بعملية الاستقصاء والبحث واستطاع أن يراسل نيل أرمسترونج ليسأله عن قصة إشهار إسلامه وسماعه للآذان فوق سطح القمر .. فجاء رد أرمسترونج في رسالة كالأتي
أشكرك على الأسئلة الواردة في رسالتك ولكنني لسوء الحظ أعجز عن الإجابة عنها لأنه ليس لها أساس من الصحة.. فالتقارير التي تشيإ الى إسلامي ظهرت كشائعات أثناء زيارتي لماليزيا. فأنا لم أعتنق الإسلام ولم أسمع صوت الأذان على القمر، ولم أزر مصر في حياتي كلها وأعتذر عن الإزعاج الذي سببته لكم صحافة تفتقر إلى المصداقيةأعرب الصحفي شوقي رافع عن أسفه من تجاهل كثير من رؤساء التحرير في العالم العربي نشر رد أرمسترونج خوفًا من الجماهير التي قد تنقلب عليهم وتتهمهم بأن صحافتهم ردت رائد الفضاء عن إسلامه. عدت بأدراجي إلى الشيخة شيرين ومعي نتيجة البحث عن شائعة إسلام نيل أرمسترونج، فنظرت إلىّ شزرًا مزرًا ودعت لي بالهداية وقالت إن وكالة الفضاء يتحكم فيها الكفرة ويخفون الحقيقة... وتساءلت حينها لماذا حكمت الشيخة على إيماني بالضعف لمجرد أنني رفضت تغييب عقلي. أسطورة سماع الآذان على سطح القمر لم تكن الأسطورة الوحيدة التي روج لها الشيوخ وأئمة المساجد في مصر، بل وصل الأمر إلى نشر صورة قدم أرمسترونج في خطوته الأولى على القمر على أساس أنها بصمة قدم وجدتها وكالة الفضاء الأمريكية وتخفيها عن العالم لأنها قدم الرسول وتثبت صحة قصة الإسراء والمعراج حين أسرى الله بعبده من مكة إلى المسجد الأقصى ثم صعد إلى السماء بصحبة جبريل .
هؤلاء الذين روجوا للشائعة تناسوا أنه حتى حسب الرواية الدينية لا حديث عن هبوط محمد على سطح القمر!!
الإعلام الحكومي يروج لنظريات غير علميةلقد تجاوزنا مرحلة خلط الدين بالسياسة إلى مرحلة أكثر بؤسًا وهي خلط الدين بالعلم ومحاولة ربطه بالاكتشافات الحديثة، وهي طريقة استحدثها تيارات الإسلام السياسي ليس في مصر فحسب، وإنما في العالم العربي كله، في محاولة لتفسير الظواهر العلمية لاجتذاب الشباب المولع بكل ما هو حديث وعصري في مجال العلوم، وخوفًا عليهم من فتنة العلم والعالم المادي حسب أقاويل الشيوخ.
ارتكبت الصحافة المصرية أخطاء فادحة بترويج نظريات غير علمية، حين قامت من خلال مؤسسة الأهرام الحكومية وهي الجريدة الرسمية للدولة، بتخصيص صفحة كل يوم جمعة لما يعرف باسم الإعجاز العلمي للقرآن وتولى الكتابة فيه د. زغلول النجار ، محاولا إسقاط كل اكتشاف علمي على آية قرآنية متناسيًا أن العلم دائم التجدد، فالعلم ليس مطلقًا ولا هو من الثوابت وإنما يخضع لنظرية الاحتمالات. كان لزاما على الدولة ومؤساساتها الصحفية العمل على نشر المنهج التجريبي والعلمي في هذه المساحة الصحفية بدلا من تخصيصها لتأويلات غير علمية.. و باتت الأمة في طريقها إلى حالة من تغييب الوعي حتى وصلنا لمرحلة تقديس البيض !!
البيضة المقدسةبات مؤسفًا أن نتعامل مع العلوم كما نقرأ الفنجان، وأصبحنا نبحث عن معجزات بأي صورة حتى وإن كان لفظ الجلالة في ثمرة فاكهة أو خضراوات أو حتى في بيضة.
لا عجب إذن في ظهور البيضة المقدسة في محافظة المنيا، والسؤال الذي ظل يراودني هو لماذا يظن الناس أن الله يتجلى في بيضة؟؟ قد يتجلى الله في صور شتى للإنسانية، لماذا يترك عز وجل قدرته على أن يرفع الألم والفقر عن البشرية جمعاء ويختار عوضًا عن ذلك أن يتجلى في مزرعة محطة دواجن شوشة في محافظة المنيا وسط مئات الألوف من البيض ووسط صيحات الدجاج والديوك؟ فعلا لماذا نستهزئ نحن بالله ؟
حتى لا نفتقد إلى الموضوعية فعلينا كذلك أن نؤكد أن أصحاب ديانات مختلفة سواء إبراهيمية أو غير ذلك يرون مقدساتهم في الثمار والنباتات والجبال ويخرون لها سجدًا، فمن قبل ظهور لفظ الجلالة على البيضة، تراءى للبعض رؤية الصليب في قطعة ثمرة طماطم..
فنحن لا نحاسب البشر على خيالهم في رؤية مقدساتهم، تماما كما لا يمكن محاسبتهم على رؤية وجه مبتسم على سطح القمر مثلا، لكننا ندرك أن ما نراه في نهاية المطاف ناتج عن جيولوجيا السطح والتضاريس البركانية وغيره من الظواهر ..الخ
إذن لا مشكلة في الخيال، طالما أن الخيال لا يجنح بنا إلى الدجل، لا توجد إشكالية إن تراءى للبعض رؤية ما يشبه لفظ الجلالة كما تراءى لهم والله أعلم .. إنما يتحول الأمر إلى كارثة حين تتحول البيضة إلى اكتشاف علمي فذ في بلد يعاني من الرجعية العلمية؟
تكمن المشكلة ليس في البيضة المقدسة وإنما رد فعل محافظ المنيا وإصدار المحافظة لبيان رسمي حول البيضة وكأن المحافظة خلت من مشاكل الصرف الصحي ومياه الشرب التي أصابت أهلها بالفشل الكلوى وحفنة من الأمراض المزمنة، ناهينا عن نقص الأدوية والخدمات والإسعافات في مستشفياتها وعيادتها بالقرى والنجوع. كنت في حقيقة الأمر أنتظر بيانا من سيادة المحافظ حول واقعة سرقة الأجهزة الطبية من مستشفى المنيا الجامعي مؤخرًا وهذا على سبيل المثال لا الحصر.. بدلا من البيان الرسمي بشأن العثور على البيضة المعجزة!!
نحن لا نبحث عن بيضة مقدسة، نحن نأمل فحسب ألا يتحول واقعنا إلى بيض ٍ
Top
0 التعليقات Blogger 0 Facebook
إرسال تعليق
شكراً لمروركم الكريم
يرجى ان يكون تعليقك يخص نفس الموضوع
سوف يتم الرد عليكم ان وجد في سؤال يخص الموضوع
ان كان التساؤل لا يخص الموضوع سوف يتم تجاهله